الثلاثاء، 24 مارس 2020

نفحات من الشعر الشعبي اليمني الشاعر يحيى حسين حميد الدين


نفحات من الشعر الشعبي 15
مجلة اقلام عربية
مارس 2020م
بقلم وليد المصري


الثقافة الشعبية يمتلكها عامة الناس، ولم تسلط عليهم الأضواء، بل قاموا بعملهم بشكل عفوي ومتقن، متفانين وباذلين من دمهم ومن ذواتهم وأحاسيسهم ضمن ذوقهم الفني في مختلف المجالات. فكانوا المثال الذي يحتذى به، مجسدين بإنتاجهم لوحات مميزة أبدعتها أياد ماهرة، او أفكاراً نسجت لوحات مزركشة فريدة من نوعها(١)

في هذه النفحة اخترنا أحد رموز الشعر الغنائي اليمني والذي يطلق على هذا اللون من الشعر (الحميني) او الملحون أوالمغنى، وشعر الغناء اليمني جذوره ممتدة وتاريخه أصيل منذ ظهوره في القرن السابع الهجري كما تشير اغلب المصادر، وشاعرنا لهذا العدد تنتمي قصائده لهذا اللون العريق ، وقد اشتهر بها ومن خلالها اتصل بجمهور هذا الفن، ووصلت كلماته الى اعماق المتذوقين عبر حنجرة ذهبية لفنان كان يملك نفس الحس المرهف والشعور الراقي وقد شكلا ثنائي ابداع يطيب الاستماع له والتحدث عنه، ورغم ان الشاعر واجه الاهمال ومحاولة طمس مآثر إبداعه وتألقه وعدم الاهتمام بموهبته عدى الاهتمام الشخصي المحدود ولعلاقته القريبة جداً بالفنان الذي تغنى بروائعه وفرضت تلك الاغاني نفسها لجمال وذوق وروعة ذلك الفنان الذي هو بدوره كان له نفس النصيب من الإهمال لأسباب سياسية رغم ان الابداع والفن تتوحد الهويات والانتماءات والاعتبارات تحت رايتيهما. ولأن الشاعر موضوع هذا العدد كان حقيقياً في عواطفه، ومبدعاً في صياغته لمفرداته بكل سلاسة دون تكلف او تصنع. استطاع ان يترك بصمة لا تمحيها الايام في صفحات الادب الشعبي اليمني مثله مثل اقرانه رموز هذ اللون من الشعر وقد اشار أ. د عبدالعزيز المقالح في كتابه الموسوم (شعراء من اليمن) قائلاً عن الشاعر الشعبي الحقيقي على انه قد طرق الباب في بلادنا اكثر من مرة في القرون الأربعة الماضية ثم غاب، وها هو يأتي من جديد، ويخشى ما يخشى عليه وعلى الشعر ان نصد عنه أسماعنا فيعود من حيث أتى ! مع العلم ان اشعار الخفنجي والعنسي والقارة والآنسي هي –بلا مبالغة-أعظم ما احتفل به وجداننا الشعري المعاصر من تراث القرون الثلاثة الماضية رغم ما حظت به هذه القرون وبخاصة الثامن والتاسع عشر من تراث المنظومات(2).

"التعريف بالشاعر"

يحيى حسين بن أحمد قاسم حميد الدين هو شاعر يمني. ولد عام 1940 في مدينة رداع في محافظة البيضاء. درس علوم الدين الإسلامي على يد والده، وفي 1955 انتقل إلى صنعاء القديمة وسكن هناك والتحق بالمدرسة التحضيرية. وفي عام 1960 اضطر للانتقال إلى تعز فتزوج وعاش هناك، حتى قيام ثورة 26 سبتمبر فعاد إلى صنعاء. ثم سافر إلى المملكة العربية السعودية إبان الحرب الأهلية بين التيارين الجمهوري والملكي في شمال اليمن. وبعد مؤتمر السلام عاد إلى الوطن واستقر في صنعاء القديمة، وفي هذه الفترة تفرغ لكتابة الشعر وتوظف في محافظة صنعاء. بعد الوحدة ظل يعمل في المحافظة حتى وفاته في الأردن عام 1995. بدأ كتابة الشعر في منتصف الستينيات، وكتب مجموعة كبيرة من القصائد الغنائية تغنى بها عدد من الفنانين أبرزهم أخوه محمد حسين أبو نصار(3)

"قريحة يحيى حسين وحنجرة ابو نصار"

إنّ ما يميّز الغناءَ اليمنيَّ هو ارتكازُه على حلاوة الكلمة، وأداء الفنّان، وبساطة الآلة. وهذا يعزِّز الشعرَ في الفؤاد ويملأه بمعنًى جليلٍ، يسطع فيه اليمنُ الذي نحبُّ. وهذا ما جعله، ككلِّ شيء مرتبطٍ بهذه الأرض، باقيًا على أصالةٍ دافئةٍ قد لا تتأتّى في أفخم الأجواء(4) .وهذا ما اجده والمسه فيما قدمه الفنان محمد حسين ابو نصار من اعمال فنية راقية خلال مسيرته الابداعية حيث نقل للمستمع والمتذوق الصورة المشرقة لفن الغناء اليمني، واستطاع ان يؤسس فن عريق خالد بالتعاون مع الشاعر يحيى حسين ومجموعة من الشعراء حيث ان الغناء والشعر ثنائي يستمد كلاً منهما قوته وجودته من الآخر، ومن جهة أخرى . فإن -الغناء يقرب الشعر من الجمهور وإن كان يضيّع الشاعر ويبرز المغني، لأن المسألة في الغناء، حسن الصوت ولا يهم جودة الشعر، لأن التلحين يعيد خلق الشعر، ويخلق له جواً آخر، فنحس جو الأغنية، ولا نحس جو القصيدة(5) -ورغم ذلك فشعر يحيى حسين معانيه تطرب النفوس وتثير الاحاسيس وتحلو للمطالعة والتلحين معاً ورغم كثرة من غنوا له من الفنانين الا ان صوت واداء ابو نصار كان المتفرد وهو من استحقت تلك الكلمات شدوها بصوته العذب، وابو نصار هو شقيق الشاعر  وهو من رموز الفن اليمني  وقد سبق التعريف به في العدد(31) من مجلة اقلام عربية

 نماذج مختصرة من قصائد الشاعر(6)

"سرب الحمام وطي وكلميني"

من قرب لاجل اسمع وتسمعيني
بُعد المسافه بينكن وبيني
ادت لي الوحشه ويشهد الله

سرب الحمام شاموت من شجوني
 والكل عادوني وخاصموني
من اجل من ياطير يحسدوني
 حرام عليهم ما يجوز من الله

"الدهر كله متاعب"

قال يحيى حسين الدهر كله متاعب
والسعيد الذي  قلبه من الحب خالي
يا فؤادي تصبر واحتمل للغلائب
الحياه هكذا ما احد عليها بسالي
الحياة ورد والاشواك من كل جانب
لا صفت يوم خلت كل محزون سالي
قالوا الناس مالك قلت لاهي وناشب
بين افكر وارجو تتركوني لحالي

"أهل الهوى عذبوني"

قال يحيى حسين أهل الهوى عذبوني
من لذيذ المنام والزاد قد أحرموني
كلما قلت شا أنسى حبهم ذكــــــروني
 لا تِبَلَّوا بلا حبي ولا تَرَّكـــــــــوني
يا رعاة الغنم نادوا رجال القبيــلة
 وافعلوا خير في مهجــه رقيـــقه عليـــله
بلغوهم وصولي بعد سفره طويلة
 جيت شاكي بمن أجرى دمي من عيوني
يا رعاة الغنم لا مت لا تقـــــبروني
 ربما يبحثوا عني ولا يوجـــــدوني
إنما لي رجا تحت الأراك أطرحوني
 وعلى جثتي سَوَّوا عزا واندبوني

"ياسنترال"

يا سنترال الخط فيه اشتباك
 بين اتصل ويرد مشغول
فكيف اسلم قيمة الاشتراك
 وخط من اهواه مفصول
قالوا تكلم من تحبه معاك
 وخطكم في الحب موصول
ومن تحبه قد شكا من شكاك
 فقلت هذا غير معقول

"من ودف صبر"

يحيى حسين قال من ودف صبر
 يستاهل البرد من ضيع دفاه
الناس بالناس والدنيا عبر
 ولا احداً قد عرف معنى الحياة
وكل انسان له وجهة نظر
 والعلم لله وحده لاسواه
امانة الله ياريح السحر
مري على من سلب عقلي حلاه
وفهميه كيف يحيى في خطر
 من كان مثلي ومخلص في هواه
قلي لمن طلعته مثل القمر
 للمه تعذر على مثلي لقاه

"يا حمامي" 

ياحمامي بشكواك الاليم
 قد اثرت الوساوس والشجن
صوتك اشجى المسافر والمقيم
وبكا كل عاشق في الوطن
قلنا ياحمام في من تهيم
 وحبيبك معك ظاهر علن
ما مرادك بنوحك والزحيم
 والشكا والبكا هذا لمن

الهوامش
ــــــــــ
1-أ. د علي بزي- الذاكرة الشعبية والعولمة- مجلة الثقافة الشعبية- البحرين العدد(32) شتاء2016م
2- دار العودة – بيروت – طبعة عام 1983م
3- موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين – دائرة التوجيه المعنوي – صنعاء 2005م الجزءالسابع
4- مقال بعنوان (رافد الغناء في اليمن وتواشج أبنائه) لمنال الشريفي موقع مجلة الآداب اللبنانية
5-رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه – عبدالله البردوني – دار العودة- بيروت طـ2 عام 1978م
6- موسوعة شعر الغناء اليمن مرجع سابق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشاعر أحمد عمر مكرش

 #قصيدة_وشاعر  #الشاعر_أحمد_عمر_مكرش #مجلة_أقلام_عربية العدد (96) ديسمبر 2024م إعداد وليد المصري  الشاعر أحمد عمر مكرش، مواليد عام 1938م بقر...