الجمعة، 17 يوليو 2020

الشعر الشعبي اليمني

سار المسقي وسار السيس والساني
 والزرع ضامي وبير النقع مدفونه
الشعر الشعبي ..حكمة ودهاء في سلة المهملات الثقافية
بقلم/وليدالمصري
صحيفة حشد العدد(202)
1-يناير-2011م
إن الحديث عن الشعر الشعبي حديث ذو شجون فمفرداته تطير بنا في الأفق البعيد, وتجعلنا نعيش فصول الحياة الرائعة التي جسدتها تلك الكلمات الشعبية بأسلوب راق ومبسط يستقبله الشخص بكل يسر وسهولة ويدرك المعنى منه وكما هو المعروف ان شعبنا اليمني من الشعوب الشاعرة فهو يعشق الكلمة ويتذوق وقعها. والشعراء بحسهم المرهف وشعورهم النبيل استطاعوا وبكل جداره ان يصنعوا مجداً رفيعاً من خلال مشاركتهم في جميع اتجاهات الحياه وعاشوا مع هذا الشعب في افراحه واتراحه ولم يبخلوا في النصح والدعوة الى حياه مستقرة آمنه ونبذ العنف والكراهية والمناطقية والعنصرية ورفض الظلم والحث على عدم الخضوع له وايضا الاعتزاز بالانتماء والافتخار بالوطن , فنجد ان الشاعر الشعبي رغم اميته وعدم إلمامه باللغة العربية إلا انه استطاع ان يلفت الانظار وان يقول كلمات مرصعة بالذهب ونبدأ  بالشاعر الشعبي صالح القصاد الذي قال 
تطورنا وعاد الفكر محدود
 كتبنا بالحجر قبل القواميس 
وناسبنا سليمان ابن داوود
وزفينـا عليه البنت بلقيس
كلمات محدودة عبر بها الشاعر الشعبي وبأسلوبه الخاص اختصر مقالات عديده وكلمات جمه ببيتين من اروع ما قيل بالشعر .
وايضا نجد الشاعر الثائر علي ناصر القردعي في احدى قصائده المشهورة وهو يعبر عن قسوة الزمن والوضع الذي آل اليه حال الشعب آنذاك:
يامالك المـلـك مـن شانك علي شاني 
 فرج علـيـنا قلوب الناس محزونه
واسبل بسترك على المقصي  وذي داني 
 وارخص لنا اسعار ذي بالسوق مطنونه  
القردعي وقتـي الحـاضـر قد اعياني
 واعيا اهل الافكار ذي تمحن وممحونه
وأتباعد البُـعـد والبون الحمش  حاني 
 ماحد رثى لـه ولا اتضجر يعلوونه
سار المـسقي وسـار السيس والساني 
 والزرع ضامي وبير النقـع مدفونه
والمحـجـر ابتـاح  للمـاعز وللضاني 
 والسوق سارت مـجـابيه وقانونه
غبني با الاغبان ما حـد محصي اغباني 
 هو حد معي ياشوامخ ناس مغبونه؟
كلاً يبا يـجزع العوجـا علـى الـثاني 
 وانتوا سوى تحت هج اعوج تجرونه 
ويتضح ان القردعي يشكو من وقته الذي يعايشه بألم وحسره يتخللهما صبر وآمال للمستقبل وهو لا يدري ان وقته الذي شكى منه وارتفاع الاسعار وإباحة المحاجر والغبون المتراكمة وانانية الاشخاص الذي كل واحد يريد ان تجزع العوجا على غيره رغم انهم كما يقول المثل (بالهوى سوى) سيبقى وقت للأجيال من بعده, والمطلع لهذه القصيدة سيظن أنها كُتبت فبل ايام قلائل ولكنها قبل عقود من الزمن وهذا هو الشعر الشعبي.
عشى الجن
ومن جهة أخرى نقف امام قصيدة شعبية تحمل حكماً ومواعظ وعبراً يستفيد منها الجميع وهي للشاعر محمد ناصر صبر العنسي الذي يصرخ في وجه الحروب القبلية والثارات قائلاً
جيت باعالمك واستعلمك في مشيبي 
انني من جميع المشكلات استقليت 
حكمتي قيمة نفسي وقلبي طبيبي 
 كلما اوحيت صوت الحرب بالسلم ناديت
مامرادي ولد عمي يحارب نسيبي  
لا ولا يستمر الحرب من بيت لابيت
حرب غاغة ومفراغة وحمى وتيبي 
 والذي كان ياما كان والسب يانحيت
والنبي ما احتجي بالحيد وارمي قريبي
والظبى في مراعيها حوامل وفليت
لا ولا اسري بجنح الليل اعشي حبيبي 
 يا عشى الجن من ذاك العشى ذي تعشيت
احلف ايمان فوق ايمان لو لا مغيبي 
لا امنع الحرب لو بالحال والمال ضحيت 
نعم هو ذاك الشاعر الفطن الذي يواجه العادات السيئة بكلمات حسنه لعل وعسى ان تجد مكانها في قلوب الناس .
ومن باب المواعظ والحكم نجد الشاعر الشيخ احمد ناصر القردعي في أكثر من قصيده يشير الى ذلك:
ابو ملحه ان الجوده الا حياء وريع 
 ومن قل ريعه والحياء ماينالها 
ولا باقي الا الذكر من له خبر يشيع 
 ومن خاف يوم الآخرة واتقى لها 
وبعد الحياه الموت با يأخذ الجميع 
 وكما امدت الأيام يقصر طوالها
ومن غرته بقعى ببهتانها الشنيع 
 يلهى بضحكتها وينسى زوالها 
رويدا رويدا من تولع بها خضيع 
 توطي ركوبه لا تعلى قذالها 
وايضاً 
يالله ياغافر الزلات للمذنب 
 يارب اسالك تجنبنا معاصيها 
ياكم كسبنا من الدنيا وكم نكسب 
 كم تعصي النفس خالقها وكاسيها 
يا ذي قطعت العشاء والفجر والمغرب 
 والظهر والعصر لابدك تصليها 
حاذر زكاتك وحق الناس لا تغصب 
وما قري آخر الانعام قاريها 
رحم الله الشيخ احمد ناصر القردعي الذي اجاد وافاد في قصائده التي كانت معظم فصولها الأولى نصائح وحكماً وتذكيراً بالموت والحث على الواجبات الأساسية التي يجب على المرء ان لا يغفل عنها .
غزال المقدشية وآثار الحروب
والشعر الشعبي يمتاز بتعدد اغراضه وتنوع الوانه من منطقه الى منطقه اخرى وهنا نقف مع الشاعرة التاريخية غزال المقدشية التي في شعرها تحذر من آثار الحروب القبلية وتسخر من أولئك الذين فتحوا ابواب الشقاء على انفسهم وعلى اخوانهم.
بالله بالله يالعجزاء الهبوب 
 ذي في الهواء صفيه جنحانها 
شلي لنا خط من بيت الذنوب 
 حدا الحداء والمسا ثوبانها
لاعند ذي قد معه سبعه شعوب 
 المشرفه ذي سما جيرانها 
وايش اكلفك يوم غرتوا للحبوب 
 لا بلها شان معظم شانها 
استعلم الشرق والا بالغروب 
 قد حد عثر في غنم ضيفانها 
ياميلنا ما نقاضي في العيوب 
 لا ما تلاقي حلق ميزانها 
الدهر غاوي وعند اجره غتوب 
 حران ما ينقطع مجرانها 
فتحت باب الشقاية والحروب 
 لا ما نكمل حبوب مخزانها 
وغزال المقدشية موهبة شعرية ورغم البيئة الخاصة وظروف اليمن ومكانة المراءة الريفية لم تستطيع تلك الظروف إعاقة نماء موهبتها او تجميدها عن فرض نفسها على الادب والادباء حيث اصبحت من مشاهير الشعر الشعبي .
النزعة الريفية
وننتقل الى الشاعر مطهر الارياني وإحساسه البالغ بالطبيعة وبالنزعة الريفية  فلم يترك صوتا أو منظرا في ريف بلاده لم يصوره أو يتحدث عنه ونختار له هذه الأبيات في وصف صباح الريف 
ما اجمل الريف ما احلى كل ما فيه ما ابدع 
 سحره وما اصفى هواه
آمنت بالريف حيث الخالق افتن وابدع 
 بالصنع واعجز سواه 
لوكان في الكون من يعبد سوى الرب الارفع 
 واستغفره لاسماه
صليت لك يابلادي كلما جيت موضع 
اقمت فيه الصلاة
بطاهر التربة اتيمم في التربة اركع 
 واخشع خشوع التقاه
واعيش للريف راهب وامنحه عمري اجمع 
 وما صليبي سواه 
نشيد الانشاد شعري والبخور المضوع 
 قلبي وروحي فداه 

التخلف والقهر

وفي هذه الزاوية نستعرض اوراق شاعر يقول عنه الدكتور المقالح هو شاعر عامي وطني لم يكتب الشعر احترافا او هواية لكنه اندفع اليه تعبيرا عن المشاعر التي يكنها نحو شعبه المظلوم وتفجرت موهبته ازاء ما يعاينه هذا الشعب من التخلف والقهر فكما صنع الظلم الوان الفساد في كل ناحية من ارض اليمن فقد صنع في الوقت ذاته الوسائل التي تقوض وجوده وتقيم على انقاضه اسس العدل والحرية ..انه الشاعر صالح احمد سحلول الذي يقول :
الرجعية قد كممت كل فاه 
 ازالها الله وانتهاها
اذاقت الشعب اليماني عناه 
 واحرمت ارضه غناها
ومزقت لحمه ومصت دماه 
 ضلا معذب في شجاها 
كم نهبت أمواله باسم الزكاة 
 ياغارة الله من جناها 
سبعين عام واحنا حفاة عراه 
 والرجعية تخدم هواها
وبعد هذه الابيات جاءت الثورة المنتظرة وانقذ الله اليمن من الماضي الاسود ومن الحكم الفضيع كما توقع الشاعر وعلى نفس النمط نجد الشاعر الثائر علي ناصر القردعي وفي اكثر من قصيده يعبر عن رغبة جامحه لاقتلاع الحكم الامامي من جذوره وقيام دولة العدل والنظام 
هو عادشي بايثور رعد رجاسي 
 ندخل بهدب الكراسي في حما المركاس
وآسن فاسي واحانق عند محراسي 
 فيلا الدلي فك زامه قال بي نعاس 
ما انا بناسي ولا انا قاطع الياسي 
 مستسقي الشمس بعد الليل والغلاس
شوقي يهد الرواسي كل ملاسي 
 ببرد سوادي ذي قد حمست حماس 

شعراء عاشوا قضايا وطنهم

اذا القردعي وغيره من الشعراء الاحرار عاشوا قضايا وطنهم  ولم يهربوا من واقعهم الخاص  وتعتبر قصائدهم تسجيل للواقع لكنه تسجيل لا يقف عند ما هو زائل بل يمتد الى الخالد والباقي ويتجاوز الواقع في رؤى صادقة للمستقبل .
كانت تلك هي إشارات عابرة عن زمن مضى وعن شعراء عاشوا حياة خاصة وتناولوا مجرياتها بمشاعرهم الفياضة وكل شاعر قد عاش تجربته الذاتية وعبر عن معاناة غيره بعاطفة صادقة ومشاعر حقيقية ولنا لقاء في مواضيع قادمة في  الشعر الشعبي.
ــــــــــــــــــ
الهوامش :-
1.شعر العامية باليمن د.عبدالعزيز المقالح دار العودة بيروت 1978
2.علي ناصر القردعي د. مقبل العمري الطبعة الثانية 1999
3.ديوان الشاعر محمد ناصر صبر العنسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشاعر أحمد عمر مكرش

 #قصيدة_وشاعر  #الشاعر_أحمد_عمر_مكرش #مجلة_أقلام_عربية العدد (96) ديسمبر 2024م إعداد وليد المصري  الشاعر أحمد عمر مكرش، مواليد عام 1938م بقر...